الخميس، 24 مارس 2011

الجريدة .. قصة قصيرة




(1)

بدأت الشمس توزع قبلات الوداع على أهل تلك المنطقة على وعد بلقاء آخر فى
 الصباح .. لقاء يتجدد يوميا وينتظره البشر والشجر وحتى الحجر .. لم يكن فصل
الشتاء قد انتهى بعد ولكن برودة الجو أصبحت شبه معدومة الا من بعض النسيم البارد
الذى يهب آناء الليل وأطراف النهار فى غياب الشمس ..انه ذلك الجو الذى يدفعك
للتخفف من ملابسك نهارا فاذا ما جن الليل جعلك تندم على فعلتك .. وهذا هو ما دفع
حسام لأن يحمل معه معطفه الجلدى الأسود داخل سيارته حديثة الطراز وهو فى طريقه
من القاهرة الى بنها .. فبعد أن أنهى عمله كان عليه أن يذهب الى زوجته فى منزل
والدتها ليحتفل معهم بعيد الأم ويعود مع زوجته فى الليل .. كان يقود سيارته بسرعة
متوسطة واضعا منظاره الشمسي فوق رأسه بسبب هبوط الليل ويستمع الى بعض
الأغانى من مذياع السيارة .. نظر فى ساعته الذهبية واكتشف مدى تأخره فزاد من
سرعة السيارة قليلا لكن صوت الهاتف دفعه لأن يخفض السرعة ثانية .. نظر الى
شاشة هاتفه النقال فعرف أنها زوجته فوضع سماعة الهاتف الخارجية فى اذنه وضغط
زر الهاتف وتحدث معها
" آلو .. تأخرت قليلا عند الصائغ وأنا أشترى الهدية .. بالطبع وهل يمكننى أن أنسي
شيئا كهذا .. لقد اشتريت علبة من الشيكولاتة الفاخرة التى تعشقها .. حسنا .. الى
اللقاء "
خلع السماعة من أذنه وبدأ مجددا فى زيادة السرعة مدندنا مع صوت المذياع والتفت
التفاته يسيرة الى يساره فرأى قطارا مسرعا مكتظا بالركاب ويجلس بعض المسافرين
بين عربات القطار ..
أخرج على الفور الكاميرا الرقمية التى يحتفظ بها دوما معه وحاول القيادة بنفس
سرعة القطار وأخرج يده من نافذ السيارة والتقط عددا من الصور المتتالية كى يختار
الأفضل من بينها ثم أبطأ من سرعته وأوقف السيارة على جانب الطريق وأخذ ينظر
الى شاشة الكاميرا ويقلب بين الصور .. ثم ابتسم ابتسامة رضا وأكمل طريقه.

*****************************************************
(2)

كانت الشمس قد ارتفعت واشتدت حرارتها ودخان عوادم السيارات يملأ الأجواء ويزكم
الأنوف .. الكل عائد الى منزله بعد انتهاء دوام العمل .. الكل يروم وجبة جيدة وجلسة
هادئة فى منزله فى جو المكيف أو حتى المرواح الهوائية .. وفى هذا الجو الحار وقف
حسين فوق احدى الأساقيل يقوم ببعض عمليات التشطيب والدهانات بعمارة شاهقة فى
قلب القاهرة يتساقط العرق من جبينه كشلال هادر .. نادى عليه أحد زملائه ليتناول
وجبة الغداء معهم .. فقفز فى احدى النوافذ بعد أن وضع ادواته جانبا .. جلس
بجوارهم يتناول غداءا بسيطا من الفول والطعمية والباذنجان وبعض المخلل والبصل
والخبز المدعم .. وتخللت الوجبة بعض كلمات المزاح الثقيل والتندر والسخرية اللاذعة
أحيانا
بعد انتهاء وجبتهم جلسوا جميعا ليشربوا شايا مرا بطعم حيواتهم .. سأله أحد زملائه
عن حالة زوجته الصحية فأجاب :" لازالت تتناول الدواء الذى وصفه لها طبيب
المستوصف الخيري .. المشكلة أننى لا أقدر على تكاليف العلاج الباهظة "
وصمت قليلا وقال بألم :" يبدو أننى سأضطر لأن يكتفى محمد ابنى بشهادة الاعدادية
التى حصل عليها ليخرج الى العمل "
لم يستطع أحدهم أن يرد عليه .. هم يعلمون أنه يحتاج الى المال ويعلمون فى الوقت
ذاته تفوق محمد الدراسي ولا يقدر أحدهم على المساعدة فكلهم أيضا يحتاج الى
المساعدة .. جل ما استطاعوا تقديمه هو بعض التعاطف والمشاعر الحزينة
وفى هذه الأثناء جاء أحدهم المعروف عنه حبه لقراءة الجرائد القديمة التى يتناولون
طعامهم فوقها وقال لحسين : ألا يشبهك هذا الرجل فى هذه الصورة " مشيرا بيده الى
صورة بالجريدة
تناول حسين منه الجريدة ودقق النظر قليلا ثم قال :" بل هو أنا "
كانت الصورة لبعض البشر الواقفين بين عربات قطار ومكتوب تحتها " احدى صور
اللامبالاة "
قرأ حسين ما كتب بجوار الصورة ومكنه من ذلك تعليمه المتوسط ثم ابتسم فى مرارة
وقال :" يقول الكاتب بأن ثورة يناير قد أسقطت النظام السياسي ولكن بعض العادات
السيئة لم تسقط بعد .. انه يتهمنا بالتهرب من دفع تذكرة القطار "
قطب زميله جبينه وقال :" يا الهى .. عليك ان تذهب اليه وتخبره بالظروف التى دفعتك
لذلك "
فرد عليه حسين بأسي :" لو كنت أملك مالا يوصلنى اليه ما اضررت الى اهانة نفسي
 والركوب بين عربات القطار "
وهنا جاء صوت المقاول حازما :" هيا عودوا الى العمل وكفاكم كسلا .. لم نأت الى هنا لنتحاور "

تمت بحمد الله

6 التعليقات:

كلمات من نور يقول...

جميلة حقيقي جميلة قصة معبرة للغاية

ما بين غنى فاحش وفقر مدقع تعيش مصر

غير معرف يقول...

جميلة جداااااا :)

موناليزا يقول...

ازاى نحكم على حد واحنا منعرفش ظروفه

د/دودى يقول...

ايه الجمال ده؟؟؟انت اللى كتبتها؟؟ ده حلوه قوى على فكره...

فكرتها بسيطه راقيه مميزه و محبوكه و دول 4 كلمات ينجحوا اى قصه قصيره

الظل يقول...

------------
كلمات من نور
------------

فعلا للأسف ده حالنا



-----------
سمو الأمير
-----------

شكرا جزيلا يا سمو ربنا يخليك يا مشجعنى


---------
موناليزا
---------

أنا كتبت القصة عشان كدة
هو ده هدفى منها



------------
د / دودى
------------

متشكر جدا يا دكتور على كلامك الجميل

آه انا اللى كاتبها

انت عارف مين يقول...

رائعة

إرسال تعليق

سواء اتفقنا أو اختلفنا

رأيك يهمنى ما تبخلش عليا بيه