السر .... ( قصة
قصيرة )
انتهى دوام العمل
بعدما وصل عقرب الساعات الى الثانية وقتلها بسُمهِ الزعاف .. أكاد أجزم أن تسمية عقارب
الساعة لم يكن عشوائياً وإنما لأنها تسرق العمر أيضاً كعقارب الصحراء .. والآن حان
وقت العودة الى المنزل .. زميلاتى تركننى الى منازلهن حيث سيذهبن سيراً وأنا على
أن أستقل الحافلة الى منزل والدى حيث أقيم منذ أيام ليتكرر معى المسلسل اليومى ..
والدى سيتصنع اللامبالاة .. والدتى تقذفنى بسهام التساؤل ولكنها لن تتحدث وسترسل
أختى الصغرى تعاتبنى على غلقى لهاتفى فى محاولة مستترة مكشوفة لتعرف سر تركى لمنزل
زوجى منذ أيام .. ولن أخبرها بشئ .. تعاهدت مع زوجى على أن نكون صندوقا مغلقاً لا
يظهر الأسرار وأنا لن أخالف العهد حتى وإن فعل ما فعل .. أتساءل كيف يكون طبيباً
لأمراض القلب وهو لا يعرف عن القلب شيئاً.
( أضحى التنائي
بديلاً عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا
تجافينا )
نبض هذا البيت فى
ذهنى كومضة برق فى ليلة ليلاء ولست أدرى السبب .. وكأن ابن زيدون قد جاء من العصر
الأندلسي ليخبرنى بان ما كان بيننا أصبح كأندلس أخرى .. مجرد ذكريات جميلة .
دوماً يذكرنى
بالشعر .. ودوماً أذكره بالشعر.. قصيدة عمرى هو ولكنها قصيدة بلا وزن ولا قافية ..
ولا كلمات.
وجاءت الحافلة
أخيراً لتخرجنى من شرودى الذى لاحظته زميلاتى فى العمل وحاولن معرفة السبب بلا
جدوى.
اتخذت مكاناً بجوار
النافذة لأفكر دون ازعاج .. رائحة عطره لازالت تملأ أنفي .. يبدو أننى سأعانى كى أنساه
.. لازالت الحافلة متوقفة فى انتظار المزيد من الركاب .. البائع الجوال يمرق بين
الكراسي ينادى على بضاعته محاولاً جذب مشترين .. صوته يذكرنى بصوت زوجى .. سأعانى
فى النسيان .
حين مر بجوارى ألقى
الىّ مظروفاً صغيراً وعاد أدراجه .. التفتُ اليه , يشبه زوجى من الخلف .. يبدو
أننى سأجن .. فتحت المظروف فوجدت رسالة بخط زوجى .
" أنا أعتذر
.. عودى من فضلك أو على الأقل افتحى هاتفك "
نظرت من النافذة
فوجدته يتجه نحو سيارتنا الحبيبة حاملاً بضاعته.. مجنون هو وأعشق جنونه .. ألم
يخشي أن يراه أحد مرضاه .. ماذا يسعنى أن أفعل امام هذا الجنون .. حمداً لله أن
الحافلة لم تتحرك .. وحمداً لله أننى لم أخبر أحداً بالسر .. ولا حتى أنتم .